هل هو اكتئاب ؟
بدون سبب واضح يصيبك حزن يرافقه حالة لا مبالاة.. ضيق في الصدر وانطفاء داخلي .. يتراجع فضولك المعتاد.. وترتفع حساسيتك لمن ينتقدك او يخالفك ..هذه اعراض تمر بها انت وربما نسبة كبيرة جدا ممن هم حولك ولا اجد اسما لهذه الاعراض سوى اكتئاب..
العلم يصنف تسعة انواع للاكتئاب لكني هنا لن اتحدث عن الاكتئاب الانفعالي الناجم عن مسبب او حدث قاس كفقدان عزيز .. ساتحدث عن نوع يحدث بلا سابق انذار هو اكتئاب مقنع او اكتئاب مبتسم لا يوقفك عن الحركة وربما الابتسامة وانما يجعل اشياءك بلا نكهة وربما يلازمك مدى الحياة حتى تكاد تعتاد عليه فلا تعرف البهجة الى قلبك طريقا ..يسمونه ايضا بالاكتئاب اللانمطي وسانطلق من سبب هذا الاكتئاب بلا مقدمات سبب هذا الاكتئاب "مخالفة نظامك الداخلي" .. فكيف يحدث ذلك؟؟
ما هو نظامك الداخلي ؟؟ نظامك الداخلي او فطرتك تشبه نظام التشغيل في الكمبيوتر لو احسنت استخدامه كان اداء الجهاز كما تريد ولو انك استخدامت برمجيات ضارة واسأت الاستخدام .. ستتكرر رسال Error .. ولاحقا سيصبح الجهاز في اسوء احواله.
نظامك الداخلي يمنحك الانسجام الداخلي الذي ينعكس على سلوكك الخارجي .. فمثلا الاستيقاظ في الصباح.. النوم في الليل .. المشي .. الشعور بالحرية.. التواصل الانساني.. تاسيس عائلة .. كل تلك امثلة على معنى وطبيعة نظامك الداخلي.
ويحدث ان تواظب على فعل امر يخالف نظامك الداخلي.. كالادمان على الافلام او الشرب او المخدرات فيبدأ انسجامك الداخلي بالاهتزاز ..و ينشأ صراع داخلي مصدره شعورك بفقدانك السيطرة على نفسك، ينشأ اضطراب لكنه غالباً سيصبح اكتئاب.
لاحظ معي استيقاظك باكرا ترتيب سريرك تناول فطور صحي، تنفس هواء نظيف، ممارسة بعض الرياضة، وضع قائمة لما يجب فعله اليوم هي امور بسيطة.. ...لكنها تشعرك بالراحة وربما السعادة تمنحك شعورا خفيا بان الامور تحت السيطرة..شعورا بانسجام داخلي .. كعشرات السلوكيات التي تشعر بانها متوافقة مع فطرتك ونظامك فتساهم في سلامك الداخلي..
عندما تسهر كل يوم كل يوم حتى وقت متأخر تلعب الورق مثلا ..فانت تخالف نظامك الداخلي، وهناك جرس داخلي يقرع مرارا يقول لك يكفي قم جسدك متعب ..اهلك بانتظارك ..لكنك تصر على مخالفة نظامك الداخلي .. ايضاً ..تقضي نهارك جالسا او تقود سيارة لا تمشي لا تمارس تمارين ...تتسع الفجوة بين نظامك وسلوكك فيملىء الاضطراب ذلك الفراغ.
جُبل الانسان على ان يأكل ليعيش اما نزعة الاستهلاك المتصاعدة اليوم جعلتنا نعيش لنأكل .. ونشتري ما لا نستعمل ..اختلال في نظامنا الداخلي .. تخالف نظامك لتحصل على بعض اللذة من سلوك هنا وسلوك هناك .. وينطفك بداخلك نور هنا ونور هناك.
الاكتئاب الذي اتحدث عنه ولا ابالغ ان قلت ان معظمنا مصاب به هو عقوبة تفرضها فطرتك ونظامك الداخلي عندما تخالفها ..
قد لا تملك خيارات احيانا .. لكن نظامك للاسف لا يأبه لظروفك .. يفهم انك تخالف ما رُكبت عليه.. لا يفهم انك جزء من منظومة يحكمها نظام اقتصادي معقد تدور عجلته في احيان كثيرة على انقاضك.. فتعمل في دوام ليلي وتنام في النهار .
في العام 1957 وضع العالم ليون فسينجر نظرية اطلق عليها اسم التنافر الادراكي ..خلاصتها أن الشعور بالتنافر يتولد فينا عندما تتعارض معتقداتنا مع ما نفعله.. فانت مثلا تؤمن بان طريق التدخين خطيرة لكنك لا تتوقف وفي كل مرة تدخن تتألم ..يقول فسينجر ان هناك حالة من التوتر أو الإجهاد العقلي أو عدم الراحة يعاني منها من يحملون المعتقدات أو الأفكار أو القيم المتناقضة في نفس الوقت، أو يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه .. فمثلا تعرف ان اهمال عائلتك امر خاطئ لنكنك تهملها .. فينتج عن ذلك تراكم لاجهاد عقلي وعدم راحة داخلية.
وصف فسينجر سعينا للتوازن والانسجام تماما كرغبة الجسم في تناول الطعام عند الشعور بالجوع... تخيل ان تجوع فلا تأكل؟! سيمرض جسمك .. وايضا ان يختل توازنك الداخلي ولا تتمكن من اصلاح هذا الاختلال .. ستكتئب.
اما الطريق لكي تحد من حالة اضطرابك وتوترك يفضي بك الى مفترق طرق
الاول ان تغير معتقدك .. بمعنى ان تقتنع بان النوم في النهار والسهر في الليل هو الصحيح وهذا لا يقبله منطق.
الثاني ان تغير السلوك ببساطة وتنام بانتظام لتصحو بانتظام ومن هناك تبدأ بلملمة شتات نفسك وتنفيس اضطرابها.