فان يوم عرفة يوم عظيم من ايام الله المباركة. ومجمع كبير من مجامع الخير والايمان والتقوى. وموسم رحب جليل من مواسم الطاعة والعبادة. يوم تكثر فيه العبرات. وتتوالى فيه الدعوات وتتنزل فيه الرحمات. وتقال فيه العثرات وتغفر فيه الزلات. يوم رجاء وخشوع وذل وخضوع. انه يوم كريم مبارك. لم تطلع الشمس على يوم افضل منه. قد خص بمزايا كريمة. وخصائص عظيمة وصفات جليلة. ليس من اليسير حصرها. ولا من الممكن استقصاؤها. وهذا حديث عن بعض خصائص هذا اليوم من فضائله. الفضيلة الاولى انه خير ايام السنة. فيوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة. وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ان هذه الايام العشر هي افضل ايام السنة على الاطلاق. وان العمل الصالح فيها خير من العمل في غيرها. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ايام اعظم عند الله ولا احب اليه من العمل من هذه الايام العشر متفق عليه. وقد اقسم رب العالمين بهذه الايام العشر المباركة في كتابه الكريم. وهو سبحانه لا يقسم الا بعظيم. فقال جل وعلا في سورة الفجر والف وليال عشر. قال ابن عباس رضي الله عنهما ان الليالي العشر التي اقسم الله بها هي ليالي العشر الاول من ذي الحجة. وكذا قال عبد الله ابن الزبير ومجاهد ومسروق وعكرمة وقتادة والضحاك من سلف هذه الامة. ورجحه ابن جرير الطبري. ونقل عليه اجماع اهل التفسير. بل ان الله عز وجل اقسم بيوم عرفة مما يدل على ان له مزيد فضل وعظمة على ايام العشر الاخرى فقال تعالى في سورة البروج وشاهد ومشهود. قال النبي صلى الله عليه وسلم اليوم المشهود يوم عرفة. والشاهد يوم الجمعة. رواه الترمذي. وبذلك فسره ايضا الخليفة الراشد علي ابن ابي طالب. وابو هريرة وابن عباس رضي الله عنهم. الفضيلة الثانية انه اليوم الذي اكمل الله فيه الدين واتم به النعمة. فان الله عز وجل انزل على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم عشية يوم عرفة. قوله اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. وفي الصحيحين عن طارق بن شهاب ان رجلا من اليهود جاء الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا امير المؤمنين اية كتابكم تقرأونها لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال واي اية? قال اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. فقال عمر رضي الله عنه لاعلم اليوم الذي نزلت فيه. والمكان الذي نزلت فيه نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات في يوم جمعة. قال ابن جرير الطبري رحمه الله في بيان معنى قوله عز وجل اليوم اكملت لكم دينكم قال اليوم اكملت لكم اي ايها المؤمنون فرائضي عليكم وحدودي وامري اياكم ونهي وحلالي وحرامي والادلة التي نصبتها لكم على جميع ما بكم اليه من امر دينكم. فاتممت لكم جميع ذلك. فلا زيادة فيه بعد هذا اليوم وكان ذلك في يوم عرفة. عام حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع. انتهى. ولهذا ينبغي للمسلم عند في ارض عرفات ان يتذكر نعمة الله عز وجل عليه وعلى جميع الثقلين. بتمام هذا الدين وكماله. فيحرص بعد ذلك اشد الحرص على المحافظة على شرائع دينه التي لا نقص فيها. ويحذر كل الحذر من الابتداع في الدين بان يحدث اعمالا ما انزل الله بها من سلطان. لان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد اي مردود على صاحبه غير مقبول منه الفضيلة الثالثة انه اكثر يوم لله فيه عتقاء من النار. عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم اكثر من ان يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما اراد هؤلاء. رواه مسلم. فيوم عرفة اكثر يوم في السنة لله فيه عتقاء من النار. فعلى المسلم ان يحرص على الاقبال على الله في هذا اليوم اقبالا صادقا. وان يلجأ اليه بالدعاء بان يكتبه الله عز وجل في تلك العشية من عتقائه من النار. الذين لا يحصيهم الا هو عز وجل. وان يعزم بقلبه عزما صادقا على الاقلاع عن كبائر الذنوب والاثام. لينال هذا الفوز الكبير والفضل العميم من الله عز وجل. فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله وهو يوم العتق من النار. ولا يحصل من النار والمغفرة للذنوب والاوزار في يوم من ايام السنة اكثر منه. فجعل الله عقب ذلك عيدا بل هو العيد الاكبر فيكمل اهل الموسم فيه مناسكهم ويقضوا فيه تفثهم ويوفون ندورهم ويطوفون بالبيت العتيق ويشاركهم اهل الامصار في هذا العيد. فانهم يشاركونهم في يوم عرفة العتق والمغفرة. وان لم يشاركوهم في الوقوف بعرفة. انتهى كلامه رحمه الله. الفضيلة الرابعة
#يوم_عرفة
#الله
#مسلمة
#الشيخ_عبد_الرزاق_البدر