الدروس | دروس رمضانية لعام 1445 هجري | الدرس الرابع - للشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع في مجالسنا في هذا الشهر المبارك شهر رمضان-، عام خمسة وأربعين وأربع مئة وألف من هجرة سيد الخلق -صلوات الله وسلامه عليه-، وهذا المجلس -معاشر الأحبَّة - أو هذا اللقاء هو في بيان كيف كان فرض الصوم صيام رمضان -، كيف كان فرض الصَّوم، وكيف كانت صورة الصَّوم حتَّى انتهت إلى ما نحن عليه اليوم، فنقول مستعينين بالله - تبارك وتعالى -: قال الله - جل وعلا -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)) [سورة البقرة]، فهذه ثلاث آيات في سورة البقرة جاء فيها بيان فرض الصَّوم، وكيف كان، وقد دلت الآية الثانية منها والآية الثالثة على ذلك؛ وأنَّه كان على مرحلتين: المرحلة الأولى: التخيير بين أن تصوم أو تُطعم، فكان المسلم في أوَّل الأمر مخيرًا بين أن يصوم، أو يُفطر ويُطعم عن كل يوم مسكينًا، وهو قادر مستطيع يصوم، لكن هو بالخيار، هذا كان في أوَّل الأمر؛ بين أن يصوم أو يُطعم ويفطر، قال الله - جل وعلا - في هذه الآية: (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ)، فهو مُخيَّر بين أن يصوم وبين أن يفطر ويُطعم، هكذا كان في أوَّل الأمر، فيجوز له هذا وهذا، ثم بعد ذلك جاءت المرحلة الثانية: وهي قوله - تبارك وتعالى -: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية، فهذه الآية التي بعد السابقة فرضت الصَّوم، ورفعت التخيير، فأصبح الصَّوم من ذلك الحين فرضًا عينيَّاً على المستطيع له وهو من أهله، المستطيع للصوم وهو من أهله، صار فرضًا عليه، ولا تخيير بينه وبين الإطعام، وبقي الإطعام في حق غير المستطيع؛ إمَّا لكبر السن وضعف القوى، وإمَّا بسبب المرض المانع من الصَّوم المستمر مع صاحبه؛ مثل أصحاب الفشل الكلوي - أجارنا الله وإياكم من ذلك -، فهؤلاء يحتاجون إلى الغسيل، ويحتاجون إلى الشراب الدائم الماء -، فالكلى عندهم مريضة تضمر حتَّى تضعف فتتلف، وإذا كانت الأمراض على هذا النحو، ومثله صاحب داء السكري الذي لا ينضبط معه ويتعب منه، وهكذا بقية الأمراض الشديدة التي تعرفونها ولا نريد أن نسميها - عافانا الله وإياكم منها وسائر إخواننا المسلمين -، فكلُّ مرض يصعب معه الصَّوم وهو مستمر بصاحبه لا يُفارقه؛ فهذا يطعم ولا شيء عليه، فبقي الإطعام في حق هذا، وفي حق الكبير في السن أيضًا كما قال عبد الله بن عباس - رضي الله تبارك وتعالى عنهما -، وقد دلَّ على ذلك دلالة واضحة حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - المخرَّج في "الصحيحين" حيث قال - رضي الله عنه -: لمَّا نزلت: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) - يستطيعون أن يصوموا ولكن لهم الخيار كان من أراد أن يُفطر أفطر ويفتدى فعل؛ (حتَّى نزلت الآية التي بعدها فنسختها) ويعني بها قوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) الآية، فهذه الآيات الثلاث فيها بيان فرض الصَّوم، وفيها بيان فرضه علينا هذه الأمَّة كيف كان في أوَّل الأمر على التخيير، ثم بعد ذلك استقرَّ الأمر فيه على الإيجاب العيني إلا من استثني كما ذكرنا لكم، فهكذا كان في أوَّل الأمر، وهذا حاله الذي نحن عليه هو الذي استقر عليه الأمر، فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، وأن يوفقنا وإياكم جميعًا لمرضاته، وأمَّا صورته كيف كانوا يصومون؛ فهذه مسألة أخرى، كيف كان يصوم النَّاس في أوَّل فرض الصَّوم عليهم لمَّا فرض بدون تخيير، كيف كانوا يصومون؟، فهذه هي صورة الصِّيام، هذه هي صورة الصِّيام في أوَّل فرضه، وهذه المسألة قد جاءت فيها أحاديث في "الصحيحين" وغيرهما: فمن ذلك ما جاء في البخاري عن البراء بن عازب - رضي الله تبارك وتعالى عنه - قال: (لَمَّا نَزَلَ صَيامُ رَمَضَانَ، كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ)، يعني لا في الليل ولا في النَّهار، في النَّهار هو معروف محرَّم، وفي الليل أيضًا، هذا أوَّل الأمر ....

Пікірлер: 2

  • @youcefmeslem3819
    @youcefmeslem38193 ай бұрын

    حفظه الله العلامة محمد المدخلي

  • @user-em8pc1mo6g
    @user-em8pc1mo6g3 ай бұрын

    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

Келесі