آفة الجدال/الشيخ الدكتور مازن الشريف الحسني الحسيني

آفة الجدال
أني اخترت موضوع اليوم ضمن التأملات العرفانية عن واقع ملموس عن إشكالية نعيشها بعمق ونعيشها ربما بشيء من الألم وهي آفة الجدال.
الجدال ليس النقاش وليس النقد، النقاش هو محاورة بهدف الاستيضاح بهدف الوصول إلى حقيقة أو إلى رأي أقوم وأكثر ثباتاً ورسوخاً، فأنا أناقشك لأثبت لك وجه نظري وأناقشك بنية طيبة، نيتي الحقيقية أن أصل إلى الحق: إن كان رأيك أصحّ ملتُ إليه وإن كان رأيي أصحّ وثبت ذلك بالبرهان تميل أنت إلى رأيي، وهذا يكون عن سلامة نية وطوية.
والنقد هو التقييم، ولا ينقدُ المرء شيئاً لا يعرفه، مثلاً أنا من المستحيل عليَّ أن أنقد أمراً أو علماً أو شيئاً لا أعرفه. مثلاً أنت لا تتكلم الصينية لا تنقد قصيدة باللغة الصينية لا تستطيع ذلك، أنت لا تعرف في مجال معيّن من مجالات الحياة لا تستطيع أن تنقده أو تبدي رأياً نقدياً، ربما يكون الأمر من إبداء موقف إنطباعي ذوقي فهذا ربما مسموح، ولكن النقد هو تقييم النقد هو علم وفيه الكثير من الفصول ولنا في البرهان فصل خاص سمّيناه علم النقد.
أما المجادلة فهي أن تكون النية منذ البداية سيئة. وطبعاً في القرآن المجادلة المضادّة: ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ تعني أن يُجيب جدالهم وعنادهم بلطف وهدوء وهو يعلم أنهم لن يصلوا إلى شيء.
آية ﴿حتى إذا جاءوك يجادلونك﴾
الآيات حول الجدال في القرآن العظيم كثيرة على سبيل المثال ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ هذا توصيف لهؤلاء المجادلين يكشف لك حقيقة ذواتهم، هو يسمع ولكن في أذنه وقر في أذنه حجاب، ختم من الشمع يوضع على الأذن، فالإنسان الذي لديه هذه الآفة لا يستطيع أن يفهم ولو جئته بكل آية، ﴿وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ﴾ كلمة جاءوك في القرآن الكريم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ "جاءوك" هذه لها معاني، هنالك من يذهب حتى إلى اليوم يجادل رسول الله وهو في مقامه الشريف، يُجادل فيه: يقول هذا لا يضر ولا ينفع، لا تجوز الزيارة، توجّه للقبلة إذا دعوت، إلى غير ذلك من المسائل، يعني مستمرة إلى الآن.
أنا أعطيك معلومة مهمة جداً وهي أنّ النماذج القرآنية ما سمّيتها في موسوعة البرهان ب "النماذج القرآنية" هي نماذج موجودة في الواقع، وأعتقد أنّ أثرى كتاب في النمذجة البشرية هو كتاب القرآن العظيم بحكم أنّ الذي كتبه والذي أوحى به والذي قاله سبحانه وتعالى هو الله جل في علاه، هو كلام الله، والله جل في علاه لم يفرّط في كتابه من شيء، تجد جميع النماذج البشرية: النماذج الرائعة، النماذج الصامدة الصابرة المؤمنة، النماذج النبوية الرفيعة في القصص، نماذج أهل العزم، النموذج المحمدي وهو القمة، وكذلك تجد نماذج المؤمنين والصادقين وعباد الرحمن والطيبين والمجاهدين والسائحين والراكعين. وتجد نماذج السيئين جميعها: النموذج الفرعوني، النموذج القاروني، النماذج المختلفة، نموذج الحسدة كأخوة يوسف إلى غير ذلك، وهذا نموذج أيضاً هم أنا أسمّيهم الأخسّاء الذين نواياهم سيئة مبطّنة ولكن يتشدّقون بالكلام، وليست نيتهم المعرفة إنما نيتهم فقط المعاندة، ومنذ البداية عندما سمعوا ذلك الكلام مثلاً عندما جاءهم رسول الله وقال: "أنا رسول الله إليكم"، منذ البداية يعلمون أنه الحق ومنذ البداية اعتزموا وعزموا على أن يُجادلوا، أي حجة تأتي أي برهان يأتي أي معجزة سيجادلون في ذلك: إذا انشق القمر قالوا ﴿سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾، إذا رأوا كل آية لا يؤمنون بها.
هؤلاء هم يعانون من حالة، لكن هل هذه الحالة هي حالة ذاتية أم حالة مفروضة عليهم؟! آيات القرآن تُبيّن أنّ الله سبحانه وتعالى حرمهم، لم يُرد الله أن يُسمعهم ولو شاء الله لأسمعهم ولكنّ الله له مشيئته وله حكمته. وهذه كلمات تامّات لا يُجاوزها برّ ولا فاجر ﴿سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ﴾ أو ﴿حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ ﴿حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ هذه كلها مصطلحات قرآنية. فهؤلاء هم في وجاء هم في ستر هم في برزخ لا يكادون يرون من الآيات العظيمة شيئاً، وكلما رأوا آية جادلوا وكلما أتوا خير جادلوا وكلما أتاهم علم جادلوا. ومهما يبلغ العالم من علمه لن يبلغ مبلغ الأنبياء، ومهما تكن من أموره لن تكون أعظم من المعجزات، فإنهم يبقون يجادلون حتى يأتيهم العذاب بغتةً أو تأتيهم الملائكة تتوفاهم تضرب وجوههم وأدبارهم.
هذه آفة مرضية خطيرة، لا يكون مرض الجدال بهذه النية عند قلب سليم، لا يكون إلا عند حاسد أو لديه عدم ثبات نفسي أو عدم استقرار نفسي، لديه إشكالية في تقبّل الأنوار والأسرار والخيرات ونفسه تأبى عليه ذلك، شيطانه يُريد حرمانه، والله قد ختم على قلبه.
#الشيخ_الدكتور_مازن_الشريف #المنارة_المحمدية #على_المحمدية_البيضاء #المدرسة_المازنية_المهدوية_الخضرية

Пікірлер: 4

  • @amalberrada5618
    @amalberrada56182 ай бұрын

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد

  • @Sunrisesp
    @Sunrisesp2 ай бұрын

    الصلاة و السلام على سيدنا و مولانا محمد و آله الطيبين في كل وقت و حين السلام عليكم و على من اتبع الهدى اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه سيدي الشيخ مازن المشكلة في غياب شيخ التربية و حل مكانه الثقافة الدينية فضللنا فاللهم اجعلنا ممن حمل في سقينة النجاة و وقي من جميع الفتن و الأهوال و الآفات و الصلاة و السلام عليك يا رسول الله و على آلك ادركنا اللهم أصلح أمة حبيبك محمد اللهم فرج عن أمة حبيبك محمد اللهم ارحم أمة حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم 💚

  • @omalhithm.
    @omalhithm.2 ай бұрын

    جزاك الله خيرا. وهل هناك جدال في الحق؟. كما جاء في الحديث قال ﷺ: أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراءَ وإن كان مُحقًّا.ولماذا نهي عن الجدال وإن كان محقا. اللهم صل عل سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ارجوا ان اكون قد صغت السؤال بشكل جيد لافهم الجواب بالتفصيل كما عودتنا دكتور .

Келесі